دراسات إسلامية

 

 

منهج الإسلام في مكافحة الغلاء

 

بقلم : المستشار حسن حسن منصور

 

 

 

 

قد تمرّ على الأمم فترات من تقلب الأسعار في السوق التجاري، وخاصةً في المراحل الانتقالية لأنظمة هذا السوق، ويكون المستهلك هو الأكثر تأثرًا بهذا التقلب، وهنا يظهر المعدن الطيب للتجار، حتى لا تزداد الأعباء وطأةً على كاهل المواطن العائل، ومن ذلك الواقع الذي نعيشه هذه الأيام، الذي يشير إلى قيام كثير من الصعوبات التي تكدر حياة أناس، أطلق عليهم وصف محدودي الدخل، ويأتي في مقدمة هذه الصعوبات، الزيادة المتلاحقة في أسعار العديد من السلع، وخاصةً ما كان منها مرتبطاً بأساسيات الحياة، وربما كان السبب من وراء ذلك هو أن بعض التجار في السوق المصري، أساء استغلال التحولات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وانكب على احتكار بعض السلع المتصلة مباشرةً بقوام حياة هذا القطاع من المواطنين، بغية تحقيق الربح السريع، الأمر الذي يفرض علينا بذل الجهد في إلقاء الضوء على موقف الشريعة الغراء، في مواجهة بعض السلبيات التي تقع من بعض التجار، في هذه الفترات الصعبة، وهو ما سنحاول بيانه، وذلك من خلال استعراض النقاط الآتية:

أولاً: الصدق في التجارة:

     والتاجر الصدوق هو الذي اتخذ من الصدق شعارًا له، وطبقه قولاً وعملاً في تجارته، وقد امتدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا النوع من التجار، بقوله الذي رواه الحاكم في المستدرك: «التاجر الأمين الصدوق المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة»، وفي رواية: «في ظل عرش الله»، وهو التاجر الذي جاء وصفه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه البيهقي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : «أطيب الكسب، كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا»، وهي صفات يشترك فيها كل من تجمعهم هذه الصحبة، التي تنتهي بهم إلى جنة الخلد، التي أعدها الله لهم في الآخرة.

     ومن صدق التاجر أن يشهد بالحق على السلعة وصفاً وثمنًا، وأن ينصح للمشتري إن كان بها عيب، وأن يمتثل أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في البيع والشراء، مع عدم المغالاة في طلب الربح السريع، على حساب عباد الله المستهلكين، والرضا بما قسمه الله له من الرزق الحلال، فتدركه البركة في كل أمواله؛ بل ويأتيه الرزق من الله تعالى، كما أخبر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم بقوله: «التاجر الصدوق ينتظر الرزق، والمحتكر ينتظر اللعنة».

     ومع هذا فهناك حديث نبوي شريف توقفت أمامه كثيراً، وهو ما رواه الحاكم والإمام أحمد والبيهقي عن عبد الرحمن بن شبل والطبراني عن معاوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن التجار هم الفجار»، وتحيرت في أمر هذا الوصف، الذي جاء على لسان من لاينطق عن الهوى، وهو صلى الله عليه وسلم القائل في حديث آخر: «تسعة أعشار الرزق في التجارة»، ولكن بمداومة البحث في السنة النبوية المطهرة، تبين أن هناك أحاديث أخرى، أوضحت أن هذا الفجور ليس على إطلاقه؛ ولكنه مخصوص بأمور معينة، قد يقع فيها بعض التجار، كالغش والتلاعب في الموازين وسوء الطلب والقضاء، وكثرة الحلف لتزويج السلع وربما كان كاذباً، ومن هذه الأحاديث، ما رواه الحاكم والإمام أحمد عن «أبي سعيد الخدري» رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير التجار من كان حسن القضاء، حسن الطلب، وسيء التجار من كان سيء القضاء، سيء الطلب»، وما رواه الطبراني عن «واثلة»، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر التجار، إياكم والكذب»، ويقصد بذلك التاجر الذي ينفق السلعة باليمين الكاذب، أو الذي لايتوقى الربا في تعامله.

ثانياً: التيسير في المعاملة:

     التيسير بصفة عامة من الخصائص المميزة لشريعة الإسلام؛ بل هو من قواعدها الكلية، التي تدور عليها الأحكام الشرعية، وأحوج ما يكون الناس للتيسير في معاملاتهم اليومية، ولا سيما في أوقات الأزمات التي تتعرض لها الأمة، ولذا فمن صفات التاجر الصدوق التحلى باليسر مع كل المتعاملين معه، ومن النماذج الطيبة لهذا التاجر: ما رواه الحاكم في المستدرك عن «عقبة بن عامر» رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتى الله عز وجل بعبد من عباده آتاه مالاً، فقال له: «ماذا عملت في الدنيا؟، فقال: ما عملت من شيء يا رب إلا أنك أتيتني مالاً، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي، أن أيسر على الموسر وأنظر المعسر، قال الله تعالى: ﴿أنا أحق بذلك، تجاوزوا عن عبدي﴾، حقًا، لقد صدق من قال: إن العبد لا يكون أكرم من سيده، فما بالنا إذا كان هذا السيد هو مالك الملك والملكوت، صاحب الخزائن التي لاتنفد.

     ولعظمة اليسر في الأمور كلها، فقد جعله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إحدى الخصائص المميزة لدين الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر، فأوغل فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، وأمر بالأخذ به في كل الأحوال قائلاً: «يسروا ولا تعسروا»، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين، اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً أو قطعية رحم.

     وأولى الناس بالتيسير هم من أصابهم أي نوع من العسر في هذه الحياة، وإذا كان الجزاء من جنس العمل، فإن من قدم اليسر لمن كان في حال العسر، فالله تعالى يبادله أيضاً اليسر في مواطن كثيرة، يكون فيها أشد حاجة إليه في الدنيا والآخرة، مصداقاً لقول الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: «من نفس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة...»، وقد ذكر العلماء أن من يسر الدنيا: توسيع الرزق والحفظ من الآفات والشدائد، والمعاونة على فعل الخيرات، ومن يسر الآخرة: تسهيل الحساب والعفو عن العقاب، ولما كان الإعسار أعظم كرب الدنيا، لم يقتصر جزاؤه على الآخرة وحدها؛ بل عممه الله تعالى في الدنيا والآخرة.

     وأفضل مواطن اليسر: إذا كان الإنسان يئن تحت وطأة الدين؛ لأن الدين كما أخبر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم همّ بالليل ومذلة بالنهار؛ ولهذا أمر الله تعالى بالصبر على المعسر في قوله المحكم: ﴿وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة» (سورة البقرة الآية: 280)، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جزاء هذا الصنيع هو الأمن يوم الفزع الأكبر من عذاب الله عندما تدنوا الشمس من الرءوس، فقال فيما رواه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه : «من نفس عن غريمه (مدينه)، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة»، والتنفيس يكون بمد أجل السداد أو تأخيره؛ ولكن المحو يكون بالإبراء من الدين، وعدم المطالبة به بالمرة..

     إن التيسير على المدين المعسر يفتح باب التوبة واسعاً أمام الدائن العاصي، فقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أنظر (أعطى مهلةً) معسرًا إلى ميسرته، أنظره الله بذنبه إلى توبته..».

ثالثاً: المحتكر ملعون:

     وإذا كان الاحتكار كما عرفه العلماء هو: جمع السلع وإمساكها بعض الوقت، بقصد بيعها في وقت الحاجة بثمن أكبر من ثمنها الأصلي، وذلك إضرار بالغير، فإن كثيراً من التجار قد يقع في الاحتكار دون أن يدري، وذلك عندما يظن أن الأساس في التجارة مجرد الربح، أياً كان مصدره، ويغفل عن خطر الاحتكار على عقيدة الإنسان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الحاكم في المستدرك والإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه :  «من احتكر حكرةً، ويريد أن يلغى بها على المسلمين، فهو خاطيء، وقد برئت منه ذمة الله ورسوله»، وفي رواية: «فهو ملعون»، والمحتكر استحق اللعنة، وهي الطرد من رحمة الله؛ لأنه حرم خلق الله من الانتفاع بالخيرات التي سخرها لهم، مع بذلهم الثمن المقرر لها..

     وهذه اللعنة لا تقتصر على الموقف العظيم في الآخرة؛ بل تنال المحتكر وهو في حياته الدنيا؛ لأنه كما ضيق على الناس معاشهم، فلا ينجو من هذا الضيق، ولكن بصورة أخرى، وهذا ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله الذي رواه البيهقي والإمام أحمد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس»، وقال العلماء: إن السر في إصابة المحتكر بالجذام؛ لأنه أراد إصلاح نفسه بثمرة هذا الاحتكار، وهذه أنانية عمياء، وأن السر في إلحاق الإفلاس به؛ لأنه أراد تكثير أمواله، فالله يعامله بنقيض قصده..

     ويلاحظ أن ألفاظ هذه الأحاديث وإن كانت خاصةً بالمسلمين والطعام، إلا أنها تفيد العموم من باب أولى، فمن يحتكر ليضر المسلمين، فيكون إضراره بغيرهم أشد، ومن احتكر الطعام، وهو من أكثر الأشياء طلباً، وأقلها في الاستغناء عنها، فيكون احتكاره لما دونه من الأشياء أشد، وفي كل الأحوال، فإن الاحتكار حرام شرعاً؛ لما فيه من الأضرار الجسيمة التي تلحق بالأفراد والمجتمع.

     وإذا كان هذا هو حكم الشريعة الغراء في الاحتكار، فإنّه إعمالاً للسياسة الشرعية المقرر في هذه الشريعة، يجوز لولى الأمر أو من يندبه، أن يتدخل لمنع هذا الاحتكار، رفعاً للظلم الواقع على الرعية، وذلك بسن التشريع الكفيل بالقضاء عليه.

رابعا: جواز تسعير السلع والخدمات:

     مما يروى عن الصحابي الجليل «جرير بن عبد الله البجلي» رضي الله عنه، أنه أرسل غلابةً لشراء ذابة من السوق، وعندما أحضرها وجدها تساوي ثمناً أكبر من الذي دفعه الغلام للبائع، فأرسل في طلبه، وعرض عليه شراءها بالثمن الذي رآه مناسباً لها، فوافق البائع وهو تسيطر عليه علامات الدهشة والتعجب من هذا الصنيع؛ لأن المشتري دائماً يلتمس تخفيض الثمن المبيع لا زيادته، ولكن هذه العلامات زالت عندما سمع سيدنا «جرير» يقول له: «يا هذا، لقد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وهذه الدابة تساوي الثمن الذي دفعته لك، وإلا كنت خائناً لهذا العهد».

     على ضوء ذلك، يكون الفهم الصحيح لما رواه أبو داود والترمذي وابن حبان عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: علا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سعر لنا، فقال: «إن الله تعالى الخالق القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله، لا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه، في دم أو مال»، فإذا كان جمهور الفقهاء يرى حرمة التسعير، إلا أن من فقهاء الأمصار كربيعة وابن العربي المالكي أخذا بمذهب أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب»، قالوا بجواز التسعير وضبطه بقانون؛ لأن به يحقق نظام الأسعار، وليس فيه مظلمة لأي من البائع والمشتري، ويقول ابن العربي: وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، وما فعله هو حكم صحيح، ولكن كان مع قوم صحت نياتهم وسلمت ديانتهم (من أمثال سيدنا جرير)، أما قوم قصدوا أكل أموال الناس، والتضييق عليهم، فباب الله أوسع وحكمه أمضى..

     ويلاحظ من هذا الحديث، أنه ذكر بعض صفات الله المتعلقة بالرزق، ومن بينها صفة التسعير، وإذا كان المؤمن مطالب بالتخلق بصفات الله التي تقبل ذلك، فيكون من مقتضى التخلق بهذه الصفة جواز التسعير، فضلاً عن هذا، فإن العلة من عدم استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لطلب الستعير هي مخافة الوقوع في الظلم، مع قوم يخشون الله ورسوله، فإذا كان هناك ظلم محقق وقع بالناس، من قوم لا زمة لهم ولا عهد، فإن رفعه يكون واجباً، يقوم به ولي الأمر الأعظم، أو من يندبه لذلك..

     إن ما تعيشه البلاد في هذه الأيام من موجة غلاء في أثمان كثير من السلع، والاستغلال السيء من بعض التجار لحرية السوق، ينبيء بوقوع ظلم ربما يكون فادحاً على السواد الغالب من المستهلكين، بما يستوجب التدخل الحاسم لرفع هذا الظلم عن هؤلاء المظلومين، ومن بين الوسائل الناجعة التي تساعد على ذلك: الأخذ بنظام التسعير، وخاصةً بالنسبة لأثمان السلع الأساسية، التي تقوم عليها حياة جميع أبناء المجتمع، ولا حرج على ولاة الأمر في ذلك، تحقيقاً للصالح العام، وللقضاء على الجشع والغلاء.

خامساً: كيفية مواجهة الاحتكار الإجباري:

     مع تقدم وسائل الحياة في العصر الحديث، وظهور المخترعات التي لم تكن معروفةً من قبل في شتى المجالات، ظهر نوع جديد من الاحتكار، يرد على الحق في براءة هذه المخترعات، وهو ما يمكن تسميته بالاحتكار المعنوي؛ لأن مجاله الفكر ونشاط العقل، وليس المادة أو السلعة، وهذا النوع من الاحتكار قاصر على الدول المتقدمة، صاحبة السبق في الوصول إلى الكشف عما هو جديد من المخترعات، بما يمكن وصفه بالاحتكار الإجباري، الذي يترتب عليه حرمان الدول الأخرى، غير المخترعة، من الاستفادة من ثمار أي نوع من الاختراعات، إلا بإذن خاص من الدولة صاحبة الحق فيه. وذلك على النحو الذي نظمته اتفاقية التجارة الدولية، المعروفة باسم «الجات».

     ومواجهة هذا الاحتكار لايكون إلا بالتسلح بالعلم النافع الموصل إلى طريق الإبداع والاختراع، بحيث تقف الدول النامية على قدم المساواة مع الدول المخترعة، وهذا الطريق ليس سهلاً ميسورًا؛ بل يحتاج إلى البذل والتضحية بكل ما تمكله تلك الدول في سبيل كسر دائرة هذا الاحتكار البغيض.

     إن الحياة لم تعد تسير كما كانت من قبل، بل طرأ عليها ما يزيد من مكدراتها، سواء أكان ذلك على الأفراد أو الجماعات أو حتى على الدول، وإذا كان الاحتكار واحداً منها، فالواجب على كل متضرر منه، أن يتخذ الوسيلة المناسبة التي تعينه على مواجهته، قبل فوات الأوان، ويسأل الله العون على ذلك.

سادساً: التكافل الاجتماعي:

     وهو قيام الأفراد بتقديم العون المادي أو المعنوي بعضهم لبعض، في أي مكان أو زمان، أو لأي سبب، ولا سيما في أوقات الأزمات، والأساس في ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة:2).

     إن هذا التكافل الاجتماعي يُعَدُّ مقياساً حقيقياً لمعرفة درجة نقاء معدن الإنسان؛ بل إن بذل المال لمن يستحقه، هو من شعب الإيمان المتعددة، ومن تقاعس عن ذلك كان على شعبة من النفاق، بل هو يعد مكذباً برسالة الإسلام، لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ..﴾ (سورة الماعون الآيات 1-3)، وقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى إحدى الصور التي لايكتمل فيها إيمان الإنسان، بقوله الشريف الذي رواه البيهقي والطبراني: «ليس بمؤمن، من بات شبعاناً، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم»، ومن رحمة الله ورسوله بنا أن جعلا عدم اكتمال الإيمان في هذه الحالة، مرتبطاً بعلم الجار بجوعة جاره، أو عدم علمه، وإلا كانت العاقبة سيئةً على الجميع.

     وهناك نموذج رائع لقوم تحققوا بالتكافل الاجتماعي في أفضل صوره، فكانوا أهلاً للدرجات العليا من الإيمان، إنهم الأشعريون قبيلة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - الذين قال فيهم أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البيهقي عن أبي موسى: «إن الأشعريين إذا أرملوا (نقد زادهم) في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم». فهؤلاء القوم الكرام كانوا يتكافلون في أوقات الحرب والسلم، وكان كل واحد منهم يتفقد أحوال غيره من بني قومه، فإذا تبين أن هناك من هو في حالة عوز مادى، أخبر عنه الآخرون، فيقدم الجميع كل ما لديهم، ويتقاسمونه بالتساوي فيما بينهم، حتى لا يتميز أي واحد منهم على الآخر، وبذلك يتحقق لكل منهم الأمن الاجتماعي في حياته..

 

*  *  *

بيان الملكية

اسم المطبوعـة         :      الـداعـي

الدورة النشرية         :      شهريـة

الطابع والناشر         :      (مولانا) أبوالقاسم النعماني

الجنسيـــة              :      هنــدي

العنـــوان              :      دارالعلوم ، ديوبند ، يوبي

رئيس التحرير          :      نور عالم خليل الأميني

مالك المطبوعة        :      دارالعلوم ديوبند

أصادق على أن التفاصيل المـذكـورة أعلاه صحيحـة

حسب علمي واطلاعي               ( توقيع )

 

(مولانا) أبوالقاسم النعماني

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ربيع الثاني 1433 هـ = مارس 2012م ، العدد : 4 ، السنة : 36